.المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
لا شك أن موضوع الربا، وأضراره، وآثاره الخطيرة جدير بالعناية، ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه وأنواعه ليبتعد عنه؛ لأن من تعامل بالربا فهو محارب لله وللرسول صلى الله عليه وسلم.
ولأهمية هذا الموضوع جمعت لنفسي ولمن أراد من القاصرين مثلي الأدلة من الكتاب والسنة في أحكام الربا، وبينت أضراره، وآثاره على الفرد والمجتمع.
تعريف الربا
فالربا لغة: الزيادة.
وفي اصطلاح الفقهاء يقصد به: زيادة مخصوصة لأحد المتعاقدين خالية عما يقابلها من عوض.
والربا نوعان :
1-ربا الديون ومعناه الزيادة في الدين مقابل الزيادة في الأجل، وهذا الذي كان شائعا في الجاهلية، وهو ما عليه العمل اليوم في البنوك الربوية فيما يسمى بالفائدة.
2-ربا البيوع وهو بيع الأموال الربوية بعضها ببعض. وربا البيوع نوعان أيضا:
أ- ربا الفضل: ومثاله كمن باع عملة نقدية بنفس العملة بزيادة.
ب- ربا النسيئة: ومثاله كمن باع عملة نقدية بنفس العملة بدون زيادة؛ لكن تأخر القبض عن مجلس العقد.
وهذا النوع من الربا جاءت السنة الصحيحة بتحريمة ومن ذلك: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء ...0رواه البخاري. وفي لفظ: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز.
ومثل الذهب في الحكم الأوراق النقدية، فعملة كل بلد تعتبر جنسا قائما بنفسه فلا تجوز المفاضلة بينها، كما لا يجوز بيع نقود ورقية بنقود أخرى آجلة ولو اختلف الجنسان،
حكم الربا:
حرام بالإجماع ،وكبيرة من كبائر الذنوب، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، فالقرآن الكريم تحدث عن الربا في عدة مواضع مرتبة ترتيبًا زمنياً، ففي العهد المكي نزل قول الله - سبحانه -: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} سورة الروم (39).
وفي العهد المدني نزل تحريم الربا صراحة في قول الله - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة آل عمران(130)، وقال سبحانه: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة (275)، وآخر ما ختم به التشريع قول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} (278/279) سورة البقرة.
وهذه الآية رد قاطع على من يقول: إن الربا لا يحرم إلا إذا كان أضعافاً مضاعفة، لأن الله لم يبح إلا رد رؤوس الأموال دون الزيادة عليها.
وهو من كبائر الإثم فعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).5
وقد لعن الله كل من اشترك في عقد الربا، فلعن الدائن الذي يأخذه، والمستدين الذي يعطيه، والكاتب الذي يكتبه، والشاهدين عليه.
جاء عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعن الله آكل الربا، ومؤكله، وشاهديه، وكاتبه)6، ورُوِيَ عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة أنه قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ من ستٍّ وثلاثين زنية)7، وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم).
الحكمة الربانية من تحريم الربا
فقد أورد الفخر الرازي وغيره خمسة أوجه لتحريم الربا، فقال:
(المسألة الرابعة: ذكروا في سبب تحريم الربا وجوهاً:
أحدها: الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين نقداً أو نسيئة، فيحصل له زيادة درهم من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته، وله حرمة عظيمة، قال عليه الصلاة والسلام: "حرمة مال الإنسان كحرمة دمه".
فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرماً...
وثانيهما: قال بعضهم: الله تعالى إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد - نقداً كان أو نسيئة - خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات.
وثالثها: قيل: السبب في تحريم عقد الربا، أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض...
ورابعها: هو أن الغالب أن المقرض يكون غنياً، والمستقرض يكون فقيراً، فالقول بتجويز عقد الربا تمكين للغني من أن يأخذ من الفقير الضعيف مالاً زائداً، وذلك غير جائز برحمة الرحيم.
وخامسها: أن حرمة الربا قد ثبتت بالنص، ولا يجب أن يكون حكم جميع التكاليف معلومة للخلق، فوجب القطع بحرمة عقد الربا، وإن كنا لا نعلم الوجه فيه).
أضرار الربا
إن الإسلام الحنيف لم يحرم شيئاً على المسلمين إلا إذا غلب ضرره على نفعه, بل إذا تساوى ضرر الشيء مع نفعه حرمته, لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع. وإن للربا أضرار كثيرة تغلب على منفعته, وهي تشمل سائر نواحي الحياة.
أ- من أضرار الربا الخلقية والاجتماعية:
· ظلم صاحب المال المقرض للمقترض, فإن أخذ الربا ظلم بنص القرآن الكريم, مهما كانت حالة المقترض أو جنسه أو دينه, قال الله تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).
· إن الربا يطبع نفوس المرابين بطابع الأثرة والأنانية, وعبادة المال والتكالب على جمعه, ويقتل في نفوسهم الشفقة والرحمة للفقراء والمحتاجين.
· إن الربا يؤدي إلى عدم وجود القرض الحسن بين أفراد المجتمع, مما يسيء إلى روح التعاون بين أفراده, وبالتالي يسيء إلى الروابط والعلاقات العائلية والاجتماعية, فتصبح العلاقة بين الناس علاقة مادية بحتة, وليست علاقة إنسانية تعاونية.
ب – من أضرار الربا الاقتصادية:
· يزيد فقر المقترضين الفقراء فقراً إلى فقرهم, وهلاكاً إلى هلاكهم, فكل فقير يقع في شرك المرابين لا يكاد يتخلص من الدين طوال حياته, وقد ينتقل الدين إلى ورثته, وقد يؤدي به الدين إلى بيع بيته الذي يؤويه مع عياله , فتصبح حالته المادية أسوأ مما كانت عليه قبل القرض.
· يجعل المال متداولا بين طائفة خاصة من المجتمع, ويقسم المجتمع إلى طبقات, طبقة أغنياء مرفهين منعمين, وطبقة عاملين كادحين منتجين, وطبقة فقراء محرومين.
· إن تسهيل القروض الاستهلاكية بفائدة من قبل البنوك شجع الكثيرين على الإسراف وعدم الادخار, لأن المسرف إذا كان يرى من يقرضه بالفائدة في أي وقت فإنه لا يراعي عن الإنفاق على شهواته ورفاهيته ولا يحسب حساب المستقبل ليدخر في حاضره ما يحتاج إليه في قابله.
ج - أضرار الربا الإنتاجي:
· غلاء أسعار السلع التي ينتجها المقرض, إذ يضيف المنتج أو المستورد فائدة القرض إلى رأس مال السلعة التي يشتريها المستهلكون, فكأن المجتمع لا المنتج ولا المستورد هو الذي يدفع الفائدة الربوية, فالظلم في القرض الإنتاجي أشمل وأعم من القرض الاستهلاكي.
· إذا تقلصت دورة الرخاء, أو إذا نقص الطلب على السلعة المنتجة بسبب ارتفاع ثمنها نتيجة لإضافة الفائدة الربوية يبقى فائض من المنتجات بغير تصريف, وهذا الفائض له عواقبه الوخيمة, إذ قد يؤدي إلى تخفيض أجر العمال أو الاستغناء عن بعضهم.
· يمنع الأغنياء من الاشتغال بالمكاسب, وذلك لأن صاحب المال إذا تمكن بواسطة وضع ماله في البنوك من الحصول على الفائدة الربوية, لم يغامر في تجارة أو صناعة, فيعيش عالة على غيره.
والمجتمع الصالح هو الذي يكون كل فرد من أفراده عضواً عاملاً منتجاً فيه.
الطرق التي فتحها الإسلام للتخلص من التعامل بالربا :
هيأ الإسلام طرقا للقضاء على الربا القائم والتخلص منه مستقبلا ، من هذه الطرق :
1 - أنه أباح شركة المضاربة ، وهي شركة يكون رأس المال فيها من شخص . والعمل من شخص آخر ، والربح مشترك بينهما بالقدر المتفق عليه ، والخسارة على صاحب رأس المال ، أما صاحب الجهد والعمل فلم يتحمل من الخسارة شيئا إذ يكفيه أنه خسر جهده وعمله .
2 - أباح بيع السلم ، وهو بيع آجل بعاجل ، فمن كان مضطرا للمال يبيع على الموسم من إنتاجه بسعر مناسب ، وبشروط مذكورة في كتب الفقه .
3 - أباح بيع المؤجل : وهو زيادة عن الثمن في بيع النقد ، وقد أباحه الإسلام لتيسير مصالح الناس ، وللتخلص من التعامل بالربا .
4 - حض على وجود مؤسسات للقرض الحسن : سواء أكان القرض على مستـوى الأفـراد أو على مستوى الجماعـات أو علـى مستـوى الحكومات . . تحقيقا لمبدأ التكافل الاجتماعي بين الأمة .
- ص 108 - 5 - شرع الإسلام دفع الزكاة للمديون المحتاج ، والفقير الذي لا يملك ، والغريب المنقطع ونحو ذلك سدا لحاجتهم وجبرا لخلتهم ورفعا لمستواهم .
تلك هي أهم الأبواب التي فتحها الإسلام أمام أي فرد من المجتمع ، لتتحقق مصلحته وتحفظ له كرامته الإنسانية ، ويصل إلى مقصده النبيل في قضاء حوائجه ، وتأمين مصالحه وازدهار عمله وإنتاجه .
خاتمـــــة
ولنختم هذا البحث بما ورد في الكتاب والسنة من تحريم الرِّبا والتشديد فيه.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَواْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}1. ففي هذه الآية تهديد شديد ووعيد أكيد لمن لم يترك الرِّبا، وذلك بمحاربته لله ورسوله، فأي ذنب في المعاملة أعظم من ذنب يكون فيه فاعله محارباً لله ولرسوله؟ ولذلك قال بعض السلف: من كان مقيماً على الربا لا يتوب منه كان حقًّا على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نَزَعَ وإلاَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ.
وفي قوله تعالى: {وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَواْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ
الإبتساماتإخفاء